في الغالب لا أحد يتكلم عن الحوكمة إلا من خلال ثلاثية التشاركية والشفافية والمساءلة في إدارة مؤسسات القطاعين العام والخاص من أجل ضمان حسن أدائها وجودة مخرجاتها ، لكن هناك وجه آخر للحوكمة وهو " المحاكمة " إنها بالفعل تحكم بشكل صارم على واقع الأداء قبل وبعد حوكمته ، بل إنها تحاكم المصطلحات والأدبيات المستخدمة في صياغة الإستراتيجيات لتكشف مدى انسجامها أو تناقضها مع عمليات التنمية الشاملة والمستدامة .
من حيث المبدأ
يمكن توجيه الشكر للذين صاغوا وأطلقوا الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية ،
فقد ذهبوا إلى أبعد من معالجة الوضع الراهن للفقر والبطالة والجوع ، أي إلى " بناء منظومة حماية اجتماعية شاملة
ومتكاملة ، تحصن الأردنيين والأردنيات من الفقر وخطر الوقوع به ، وتمكنهم من العيش
بكرامة " .
توجد فقرة رأيتها
في الخبر المنشور عن إطلاق الحكومة للخطة الإستراتيجية للأعوام 2019-2025 تقول
" تهدف الإستراتيجية إلى الوصول إلى منظومة قابلة للقياس والمساءلة والمحاسبة
، وتعزيز الإنتاجية والاعتماد على الذات من خلال توفير بيئة عمل لائقة ، وفرص عمل
متكافئة ، وقطاعات إنتاجية ذات قيمة مضافة ، والوصول إلى سوق عمل منظم ومنصف بين
مختلف القطاعات ، إلى جانب تقديم الخدمة التعليمية الشاملة والممكنة والرعاية
الصحية السليمة والمنصفة للمواطنين الأردنيين بكرامة " ففي هذه الفقرة قد نجد
إشارة واضحة لبعض عناصر الحوكمة من مساءلة ومحاسبة ، ولكن بقية النص يبعث على
التعجب والاستغراب !
كيف لإستراتيجية
قطاعية موضوعة من أجل تعزيز التنسيق والتكامل بين برامج الدعم والمساعدات والرعاية
الاجتماعية والجهات العاملة في مجال الحماية الاجتماعية ، أن تحيط بكل الأهداف
التي يمكن أن تكون جزءا من الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة ، وما الحاجة
إلى كل هذا التضخيم في الأهداف والأبعاد ، بل كيف يكون الجواب على سؤال بسيط إذا
كان كل ما تشير إليه الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية ليس موجودا ، وسيتم
العمل من أجل تحقيقه ، فما الحال على أرض الواقع اليوم ؟!
أنا من أشد المنادين
بالتفكير والتخطيط والإدارة الإستراتيجية والحوكمة ، ولكنني أخشى دائما من
المبالغة في أدبيات الصياغة ، وخلط الأساسي بالفرعي ، وإدخال قطاعات في الأهداف
دون أن تكون حاضرة في التخطيط ، وغير ذلك كثير من إشارات تبعث على الأسف !